أخ يشتكي ويقول: إن صلاة الفجر تفوتني في كثير من الأيام، فلا أصليها
في وقتها إلا نادرا، والغالب ألا أستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، أو بعد فوات
صلاة الجماعة في أحسن الأحوال، وقد حاولت الاستيقاظ بدون جدوى، فما حل هذه
المشكلة؟
الجواب: الحمد لله حمدًا كثيرًا، وبعد: فإن حل هذه المشكلة -كغيرها- له جانبان
جانب علمي، وجانب عملي.
أما الجانب العلمي فيأتي من ناحيتين:
الناحية الأولى: أن يعلم المسلم عظمة مكانة صلاة الفجر عند الله عز
وجل، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من صلّى الصبح في جماعة فكأنما
صلّى الليل كله» [رواه مسلم]، وقال عليه الصلاة والسلام: «إن أثقل صلاة على
المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو
حبوا» [رواه مسلم]، وفي الحديث الآخر: «أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح
يوم الجمعة في جماعة» [صححه الألباني]. وفي الحديث الصحيح:«من صلّى البردين
دخل الجنة»
[رواه البخاري ومسلم]. والبردان الفجر والعصر.
الناحية الثانية: أن يعلم المسلم خطورة تفويت صلاة الفجر ومما يبين
هذه الخطورة الحديث المتقدم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء
وصلاة الفجر) وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كنا إذا فقدنا
الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن" [رواه المنذري].
وأما الجانب العملي في علاج هذه الشكاية فإن هناك عدة خطوات يمكن
للمسلم إذا اتبعها أن يزداد اعتيادا ومواظبة على صلاة الفجر مع الجماعة،
فمن ذلك:
1.التبكير في النوم: ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، فلا ينبغي للمسلم أن
ينام قبل صلاة العشاء والمُشاهد أن غالب الذين ينامون قبل العشاء يمضون
بقية ليلتهم في خمول وكدر وحال تشبه المرضى. ولا ينبغي كذلك أن يتحدث بعد
صلاة العشاء، وقد بين أهل العلم سبب كراهية الحديث بعدها فقالوا: لأنه يؤدي
إلى السهر، ويُخاف من غلبة النوم عن قيام الليل، أو عن صلاة الصبح في
وقتها الجائز أو المختار أو الفاضل.
2. الحرص على الطهارة وقراءة الأذكار التي قبل النوم، فإنها تعين على القيام لصلاة الفجر.
3. صدق النية والعزيمة عند النوم على القيام لصلاة الفجر، أما الذي
ينام وهو يتمنى ألا تدق الساعة المنبهة.. فإنه لن يستطيع بهذه النية
الفاسدة أن يصلي الفجر، ولن يفلح في الاستيقاظ لصلاة الفجر وهو على هذه
الحال من فساد القلب وسوء الطوية.
4. ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة، فإن بعض الناس قد يستيقظ
في أول الأمر، ثم يعاود النوم مرة أخرى، أما إذا بادر بذكر الله أول
استيقاظه انحلت عقدة من عُقد الشيطان، وصار ذلك دافعًا له للقيام، فإذا
توضأ اكتملت العزيمة وتباعد الشيطان، فإذا صلّى أخزى شيطانه وثقل ميزانه
وأصبح طيب النفس نشيطًا.
5. لا بد من الاستعانة على القيام للصلاة بالأهل والصالحين،
والتواصي في ذلك، وهذا داخل بلا ريب في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى
الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]، وفي قولهَ: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ
الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
[العصر:1-3]
فعلى المسلم أن يوصي زوجته مثلا بأن توقظه لصلاة الفجر، وأن تشدد عليه
في ذلك، مهما كان متعبًا أو مُرهقًا، وعلى الأولاد أن يستعينوا بأبيهم مثلا
في الاستيقاظ، فينبههم من نومهم للصلاة في وقتها، ولا يقولن أب إن عندهم
اختبارات، وهم متعبون، فلأدعهم في نومهم، إنهم مساكين. لا يصح أن يقول ذلك
ولا أن يعتبره من رحمة الأب وشفقته، فإن الرحمة بهم والحدَبَ عليهم هو في
إيقاظهم لطاعة الله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ
عَلَيْهَا} [طه: 132].
وكما يكون التواصي والتعاون على صلاة الفجر بين الأهل، كذلك يجب أن
يكون بين الإخوان في الله، فيعين بعضهم بعضًا، مثل طلبة الجامعات الذين
يعيشون في سكن متقارب ومثل الجيران في الأحياء، يطرق الجار باب جاره ليوقظه
للصلاة، ويعينه على طاعة الله.
6. أن يدعو العبد ربه أن يوفقه للاستيقاظ لأداء صلاة الفجر مع الجماعة؛ فإن الدعاء من أكبر وأعظم أسباب النجاح والتوفيق في كل شيء.
7. استخدام وسائل التنبيه، ومنها الساعة المنبهة، ووضعها في موضع
مناسب، فبعض الناس يضعها قريبًا من رأسه فإذا دقت أسكتها فورًا وواصل
النوم، فمثل هذا يجب عليه أن يضعها في مكان بعيد عنه قليلا، لكي يشعر بها
فيستيقظ. ومن المنبهات ما يكون عن طريق الهاتف، ولا ينبغي للمسلم أن يستكثر
ما يدفعه مقابل هذا التنبيه، فإن هذه نفقة في سبيل الله، وأن الاستيقاظ
لإجابة أمر الله لا تعدله أموال الدنيا.
8. نضح الماء في وجه النائم، كما جاء في الحديث من مدح الرجل الذي
يقوم من الليل ليصلي، ويوقظ زوجته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ومدح
المرأة التي تقوم من الليل وتوقظ زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء [رواه
الإمام أحمد]. فنضح الماء من الوسائل الشرعية للإيقاظ، وهو في الواقع منشط،
وبعض الناس قد يثور ويغضب عندما يوقظ بهذه الطريقة، وربما يشتم ويسب
ويتهدد ويتوعد، ولهذا فلا بد أن يكون الموقظ متحليًا بالحكمة والصبر، وأن
يتذكر أن القلم مرفوع عن النائم، فليتحمل منه الإساءة، ولا يكن ذلك سببًا
في توانيه عن إيقاظ النائمين للصلاة.
9. عدم الانفراد في النوم، فلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن
يبيت الرجل وحده [السلسلة الصحيحة]. ولعل من حِكم هذا النهي أنه قد يغلبه
النوم فلا يكون عنده من يوقظه للصلاة.
10. عدم النوم في الأماكن البعيدة التي لا يخطر على بال الناس أن
فلانًا نائمًا فيها، كمن ينام في سطح المنزل دون أن يخبر أهله أنه هناك،
وكمن ينام في غرفة نائية في المنزل أو الإسكان الجماعي فلا يعلم به أحد
ليوقظه للصلاة، بل يظن أهله وأصحابه أنه في المسجد، وهو في الحقيقة يغّط في
نومه. فعلى من احتاج للنوم في مكان بعيد أن يخبر من حوله بمكانه ليوقظوه.
11. الهمة عند الاستيقاظ، بحيث يهب من أول مرة، ولا يجعل القيام
على مراحل، كما يفعل بعض الناس الذين قد يتردد الموقظ على أحدهم مرات
عديدة، وهو في كل مرة يقوم فإذا ذهب صاحبه عاد إلى الفراش، وهذا الاستيقاظ
المرحلي فاشل في الغالب، فلا مناص من القفزة التي تحجب عن معاودة النوم.
12. ألا يضبط المنبه على وقت متقدم عن وقت الصلاة كثيرًا، إذا علم
من نفسه أنه إذا قام في هذا الوقت قال لنفسه: لا يزال معي وقت طويل، فلأرقد
قليلا، وكل أعلم بسياسة نفسه.
13. إيقاد السراج عند الاستيقاظ، وفي عصرنا الحاضر إضاءة المصابيح الكهربائية، فإن لها تأثيرًا في طرد النعاس بنورها.
14. عدم إطالة السهر ولو في قيام الليل، فإن بعض الناس قد يطيل
قيام الليل، ثم ينام قبيل الفجر بلحظات، فيعسر عليه الاستيقاظ لصلاة الفجر،
وهذا يحدث كثيرًا في رمضان، حيث يتسحرون وينامون قُبيل الفجر بقليل،
فيضيعون صلاة الفجر، ولا ريب أن ذلك خطأ كبير؛ فإن صلاة الفريضة مقدمة على
النافلة، فضلا عمن يسهر الليل في غير القيام من المعاصي والآثام، أو
المباحات على أحسن الأحوال، وقد يزين الشيطان لبعض الدعاة السهر لمناقشة
أمورهم ثم ينامون قبل الفجر فيكون ما أضاعوا من الأجر أكثر بكثير مما
حصلوا.
15. عدم إكثار الأكل قبل النوم فإن الأكل الكثير من أسباب النوم
الثقيل، ومن أكل كثيرًا، تعب كثيرًا، ونام كثيرًا، فخسر كثيرًا، فليحرص
الإنسان على التخفيف من العشاء.
16. الحذر من الخطأ في تطبيق سنة الاضطجاع بعد راتبة الفجر، فربما
سمع بعض الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر
فليضطجع على يمينه» [صححه الألباني]. وما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم
كان إذا صلّى سنة الفجر يضطجع، ثم يُؤذنه بلال للصلاة، فيقوم للصلاة، وربما
سمعوا هذه الأحاديث، فعمدوا إلى تطبيق هذه السنة الثابتة، فلا يحسنون
التطبيق، بحيث يصلي أحدهم سنة الفجر، ثم يضطجع على جنبه الأيمن، ويغط في
سبات عميق حتى تطلع الشمس، وهذا من قلة الفقه في هذه النصوص، فليست هذه
الاضطجاعة للنوم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بلال للصلاة وهو
مضطجع، وكان أيضًا كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وابن حبان إذا عرس (
قبل ) الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى، وأقام ساعده [صحيح الجامع]، وهذه
الكيفية في النوم تمنع من الاستغراق؛ لأن رأس النائم في هذه الحالة يكون
مرفوعًا على كفه وساعده، فإذا غفا سقط رأسه، فاستيقظ، زد على ذلك أن بلالا
كان موكلا بإيقاظه صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر.
17. اجعل قيام الليل في آخره قبيل الفجر، بحيث إذا فرغ من الوتر
أذن للفجر، فتكون العبادات متصلة، وتكون صلاة الليل قد وقعت في الثلث
الأخير -وهو زمان فاضل- فيمضي لصلاة الفجر مباشرة وهو مبكر ونشيط.
18. اتباع الهدي النبوي في كيفية الاضطجاع عند النوم، بحيث ينام
على جنبه الأيمن، ويضع خده الأيمن على كفه اليمنى، فإن هذه الطريقة تيسر
الاستيقاظ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم بخلاف النوم بكيفيات
أخرى، فإنها تؤثر في صعوبة القيام.
19. أن يستعين بالقيلولة في النهار، فإنها تعينه، وتجعل نومه في الليل معتدلا ومتوازنًا.
20. ألا ينام بعد العصر، ولا بعد المغرب، لأن هاتين النومتين تسببان التأخر في النوم، من تأخر نومه تعسر استيقاظه.
21. وأخيرًا فإن الإخلاص لله تعالى هو خير دافع للإنسان للاستيقاظ
للصلاة، وهو أمير الأسباب والوسائل المعينة كلها، فإذا وجد الإخلاص الذي
يلهب القلب ويوقظ الوجدان، فهو كفيل بإذن بإيقاظ صاحبه لصلاة الصبح مع
الجماعة، ولو نام قبل الفجر بدقائق معدوادات..
فانظر يا رعاك الله ماذا يفعل الإخلاص والتصميم، ولكن الحقيقة
المرة هي أن ضعف الإيمان، وقلة الإخلاص تكاد تكون ظاهرة متفشية في الناس
اليوم، والشاهد على ذلك ما نراه من قلة المصلين ونقص الصفوف في صلاة
الفجر.. وأخيرًا هذا تنبيه على أمر مشتهر بين الناس وهو زعمهم بأن هناك
حديثًا مفاده أنّ من أراد الاستيقاظ لصلاة الفجر فعليه أن يقرأ قبل النوم
آخر سورة الكهف، وينوي بقلبه القيام في ساعة معينة، فيقوم، ويزعمون أن ذلك
مجرب، ونقول لهم: إنه لم يثبت بذلك حديث، فلا عبرة به، وخير الهدي هدي محمد
صلى الله عليه وسلم.
الشيخ محمد صالح المنجد
موقع صيد الفوائد [بتصرف يسير]