* فقط انظر حولك, هل ترى تغييرًا إيجابيًا في الشارع
؟ هل ارتقت السلوكيات والأخلاقيات ؟ هل نجحنا في إزالة الاحتقان في المجتمع المصري
؟ هل هناك ثورة مضادة ؟ لا شك أن هناك ثورة مضادة وتزداد خطورتها يومًا بعد يوم
....
*
لو نظرنا إلى الاستفهام السابق وجدناه ينقسم إلى عدة تراكيب استفهامية تتابع بشكل
سريع ومتلاحق, وهذا التلاحق يجعل القارئ مستعدًا – بحالة العصف الذهني التي
أثارتها طلقات هذا التلاحق- لمتابعة القراءة لعله يظفر بإجابة عن تلك الأسئلة التي
آثارها الكاتب.
*
والتراكيب الاستفهامية هنا أجريت جميعها على غير الأصل التي وضُعت له فلا يُقصد
بها الاستفهام الحقيقي؛ وذلك لأن عناصر إجراء الاستفهام على الأصل غير متحققة
فيها.
وهذه العناصر
هي: عنصر الزمان : وذلك لأن المستفهم هنا لا ينتظر جوابًا من المسئول – أي لا يطلب
حدوث العلم بشيء ممن يظن أنه يعلمه – وعلم السائل بما يسأل هو أساس خروج الاستفهام
إلى المجاز؛ ولذلك سُمي بتجاهل العارف.
*
أما العنصر الثاني : وهو عنصر الإدارة: أي إدارة السائل أن يحدد إذا كان يستفهم
على الحقيقة أو غير ذلك، فإن كانت الأولى انتظر جوابًا واكتفى بالإجابة من
المسئول.
*والعنصر
الثالث: عنصر الإمكان: أي إمكانية المسئول وقدرته على الجواب عما يُسأل عنه على
الأقل في ظن وتصور السائل.
فإن
تخلف عنصر الإمكان - أي لم يتمكن المسئول من الإجابة لأنه لم يتلق سؤالاً حقيقًا
يمكن إجابته-كان الاستفهام مجازي.
إذن
هذه التراكيب الاستفهامية غير حقيقية لأن عناصر الإجراء على الحقيقة غير متحققة
فيها.
وهذه الخطوة
الأولى.
*و
من جهة التراكيب من حيث هي تراكيب نحوية وضعت في اللغة لتعبر عن السؤال, فهي تتكون
من وحدات نحوية وضعت في اللغة لتعبر عن السؤال, فهي تتكون من وحدات نحوية ( أداة
استفهام + فعل ) أو ( اسم + باقي الجملة )
والتركيب الذي
معنا يتكون من الأداة (هل) + فعل + باقي الجملة.
والأداة
"هل" هي أداة حرفية تستفهم عن النسبة مثل الهمزة بشرط أن تكون معهما
الجملة في نظامها المألوف دون تقديم أو تأخير لأحد أجزائها, ويطلب بها التصديق أي
معرفة وقوع النسبة أو عدم وقوعها لا غير والأداة (هل) تختص بالفعل متى وجد في
الجملة.
وقد
جاءت التراكيب على النظام اللغوي المألوف فقد تصدرت الأداة (هل) في كل التراكيب
وكذلك واختصت بالفعل. وهذه الخطوة الثانية.
الخطوة الأخيرة:
هي الدلالات التي خرجت إليها تلك الاستفهامات المتلاحقة، و تتكون هذه الدلالات من
معناها الصريح مضافًا إليها المعنى الضمني أو المستلزم الذي يتم معرفته من خلال
المقام أو الحال.
والمعنى الصريح
يتكون من (المحتوى القضوي للجملة مع القوة الإنجازية التي تمثلها الأداة هل).
والمعنى الضمني
يتكون من جزئين: أ- المعنى الصريح (القضوي): كثرة التظاهرات دون فائدة تُرجي
والقلق على مكتسبات الثورة من وجود ثورة مضادة.
ب- معنى استلزامي وهو النفي أي نفى أن تكون الثورة قد حققت
أهدافها بعد، ولعل أدل شيء على أن هذا المعنى الاستلزامي هو المقصود ما جاء في
السياق اللاحق ( سابق لأوانه أن تكتب شهادة نجاح الثورة ).
والمعنى
الاستلزامي للاستفهام هنا يقابل ما يعرف عند البلاغيين بالغرض البلاغي أو دلالة
التركيب.
ولا يقف الأمر
عند هذا الحد بل إن المعنى المستلزم مقاميًا هنا يستتبع معاني مستلزمة أخرى فإذا
تابعنا السياق نجد المعاني الآتية: 1- تحذير:
(احذروا .. هناك أياد خفية ....)
2- التماس وترجي: ( رجاء اعذروا الشباب على استمرار تظاهرتهم )
3-تذكير: (تذكروا دائمًا أن "عفريت" ميدان التحرير مازال
موجودًا .... !!)
وهذه المعاني لا
تتفرع من المعنى الأصلي ولكنها تأتي مساوية له في تأثيرها، وهي أيضًا تفسر المعنى
وتوضحه. وقد افترض الصحفي وجود معرفة مشتركة(لغوية – مجتمعية) بينه وبين القارئ
تجعله قادرًا على الاستدلال، والانتقال من الغرض المباشر غير المقصود إلى الغرض
غير المباشر المقصود.
الأربعاء أغسطس 17, 2011 3:17 am