يقع
الذباب على الفضلات والمواد القذرة فينقل الكثير من الجراثيم والأمراض ،
وربما وقع على طعام الإنسان وشرابه فلوثه بما يحمله من هذه الجراثيم ، وقد
أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - من أراد أن يأكل أو يشرب من الطعام الذي
وقعت فيه ذبابة ، أن يغمس الذباب فيه بعد وقوعه حرصاً على صحة الآكل
والشارب ، وحفاظاً على الطعام والشراب من التلف ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء ) رواه البخاري ، وفي رواية لأبي داود ( وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ) .
وهو
حديث ينبغي على المسلم أن يتلقاه بالقبول والتسليم وألا يعارضه بعقله
القاصر ، لأنه قد ثبت وصح عمَّن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ،
فكيف وقد جاءت حقائق العلم والطب الحديث بتصديقه وتأكيد ما فيه ؟! .
فقد
أثبتت الدراسات والأبحاث أن الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس
الفطريات ، وهذا الطفيلي يلازم الذبابة على الدوام ، وهو يقضي حياته في
الطبقة الدهنية الموجودة داخل بطن الذبابة بشكل خلايا مستديرة فيها إنزيم
خاص ، ثم لا تلبث هذه الخلايا المستديرة أن تستطيل فتخرج من الفتحات أو من
بين مفاصل حلقات بطن الذبابة ، فتصبح خارج جسم الذبابة ، ودور الخروج هذا
يمثل الدور التناسلي لهذا الفطر، وفي هذا الدور تتجمع بذور الفطر داخل
الخلية ، فيزداد الضغط الداخلي للخلية من جراء ذلك ، حتى إذا وصل الضغط إلى
قوة معينة لا تحتملها جدر الخلية ، انفجرت الخلية وأطلقت البذور إلى
خارجها بقوة دفع شديدة إلى مسافة 2سم خارج الخلية ، على هيئة رشاش مصحوباً
بالسائل الخلوي ، ولهذا الإنزيم الذي يعيش في بطن الذبابة خاصية قوية في
تحليل وإذابة الجراثيم .
وعلى
هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام ، وألقى بالجراثيم العالقة بأطرافه
في ذلك الشراب أو الطعام ، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم هو ما يحمله الذباب
في جوفه قريبا من أحد جناحيه ، فإذا غمست الذبابة في الطعام أحدثت هذه
الحركة ضغطاً داخل الخلية الفطرية الموجودة في جسم الذبابة ، مما يزيد من
توتر السائل داخلها زيادة تؤدي إلى انفجار الخلايا ، وخروج الأنزيمات
المضادة للأمراض ، فتقع على الجراثيم التي تنقلها الذبابة بأرجلها فتهلكها
وتبيدها ، ويصبح الطعام طاهراً من الجراثيم المرضية .
ومما
ينبغي أن يُتَنبه له حتى لا يبقى هناك مجال للمشككين في الحديث ، أن الأمر
في الحديث إنما هو أمر إرشاد لا أمر وجوب فالنبي - صلى الله عليه وسلم -
لم يأمر من وقعت ذبابة في طعامه أو شرابه أن يستمر في الطعام والشراب ،
وإنما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من أراد أن يأكل من هذا الطعام أو
الشراب الذي وقعت فيه الذبابة أن يغمسها فيه ، وأما من لا يريد الأكل أو
الشرب بأن تعاف نفسه منظر الذباب إذا وقع في الطعام أو الشراب فلا يلزمه
الاستمرار ، ولا يكون بذلك مخالفاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهكذا
يضع العلماء بأبحاثهم تفسيراً لهذا الحديث ، وبياناً لوجه من وجوه الإعجاز
النبوي ، الذي سبق كل هذه العلوم والأبحاث والاكتشافات ، فصلوات الله
وسلامه على من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .